إسحاق - 208
فكر إسحاق في كسر أذرعهم لإسكاتهم لكنه بحاجة إلى مكان لتجنب مطاردة غير البشر التي لا هوادة فيها – والتي إستمرت على الرغم من أن مديرية المراقبة أوقفت رسميًا جميع الأنشطة.
عندما ذكرت أنه حتى غير البشر لم يعرفوا بوجود الموقع سمح إسحاق لهما على مضض بقيادته إلى الأمام.
“هذه هي أرض الكفارة”.
“أرض الكفارة؟”.
سألها إسحاق بعبوس منزعجًا من الريش الفضفاض المتطاير في كل مرة يتحرك فيها جناحيها.
أشارت المرأة بأدب إلى الكهف إلى جانبها.
“هناك شخص ما في إنتظارك”.
أظهر إسحاق إبتسامة عريضة على كلام المرأة وأمسك سيجارته.
“هل سمعت ما حدث لذلك اللعين ذو الثلاثة أعين بعد أن تجاهلني؟”.
نظرت المرأة بعيدًا عن إسحاق لكن أجنحتها المرتعشة لم تفعل.
“ليس لدينا إذن بالدخول إسحاق أنت أول إنسان في هذا العالم والغازي الثاني الذي يتقدم في هذا المكان”.
“أفترض أن الملكة هي الغازي الأول… هل تعتبرونني إنسان من هذا العالم وغازي؟ سآخذ ذلك على أنه شرف”.
شاهد إسحاق المرأة المجنحة كما لو أنها حيوان رائع – رغم أنها لم تجرؤ على رؤية نظرته ثم مشى إلى حيث أشارت.
أضاءت البلورات اللامعة الكهف بما يكفي ليراه إسحاق دون عناء.
تساءل عما إذا كان هذا الكهف من صنع الإنسان أم أنه من عمل الطبيعة.
بدت الجدران والسقوف متينة وطبيعية لكن الأرضية المصقولة جيدًا دليل على لمسة اصطناعية.
بعد السير قليلاً خرج إسحاق أخيرًا من الكهف ليدخل مسارًا طويلًا مؤثثًا جيدًا وعلى يمينه ويساره هناك عدد لا يحصى من المنحوتات.
أدرك إسحاق بسرعة ما تمثله تلك المنحوتات بلمحة.
“هم في شكل غير البشر”.
البشر والجان والأقزام والوحوش.
رأى إسحاق العديد من هذه الأجناس من قبل ولكن الكثير منهم أول لقاء له معهم.
صار إسحاق حائرا تقريبًا بعدد الأجناس التي تعيش في هذا العالم جيث رأى كيف تصطف هذه المنحوتات على المسار بأكمله.
مع وجود الكثير من الوقت بين يديه قرر إسحاق أن يراقب بعناية كل منحوتة كما لو أنه في متحف فني.
“حسنًا؟ الحراشف والزعانف؟ هل عاشوا في البحر؟ في الواقع تبدو حورية البحر معقولة في هذا العالم على الرغم من أنني لم أر واحدة من قبل… أتساءل عما إذا كان طعمها لطيفًا؟”.
إذا كانت حوريات البحر موجودة الآن لأصبحوا غاضبين مما قاله إسحاق.
إبتسم إسحاق وإنتقلت نظرته إلى منحوتة أخرى.
“ربما هذه فكرة سيئة فقد رأيت بالتأكيد في مكان ما أن أكل حورية البحر يمنحك الخلود… بالتأكيد لا يجب أن أكل شيئًا بهذه الخطورة”.
راقب إسحاق المنحوتات بسحر لكنه إستمر لفترة أطول قليلاً.
بعد أن فقد الإهتمام تحرك إسحاق بشكل أسرع.
عندما وصل إلى نهاية الكهف نظر إلى الساحة في الأسفل أطلق صفيرًا مندهشا.
“رائع الآن هذا مشهد يمكن رؤيته”.
تم وضع تمثال تنين نصف مدفون في وسط الساحة مع عشرات الآلاف من المنحوتات المحيطة به.
تذكر إسحاق جنود التراكوتا لتشين شي هوانغ.
“هؤلاء هم البلهاء ذوو العيون في جبينهم – تلك هي المجنحة… هاه؟ هؤلاء مستذئبين! لماذا هم هنا؟”.
أطل إسحاق على كل المنحوتات بينما يقترب من التمثال العملاق للتنين.
سحب سيجارة جديدة.
بدا التنين وكأنه يغرق في الوحل فقط رأسه فوق السطح.
“حسنًا؟”.
أدرك إسحاق الذي على وشك إشعال سيجارته أن الجفن الأيسر للنحت ينفتح.
نظر إسحاق وجهاً لوجه مع التنين في حالة ذهول.
أخذ نفسا عميقا من سيجارته وتمتم.
“القرف المقدس”.
“مرحبًا أيها الغازي”.
“حسنًا؟ الآن هذه تقنية مثيرة للإهتمام هل هذا تخاطر؟”.
حرك إسحاق رأسه في دهشة وتمتم ثم إستنشق الدخان وسأل.
“أفترض أنك الشخص الذي ينتظرني إذن ما السبب؟”.
“هناك شيء يجب أن أخبرك به”.
وبذلك غمرت ذكريات الأيام التي سبقت أيام الكارثة السبعة رأس إسحاق.
“كوك!”.
كافح إسحاق للبقاء على قدميه.
عندما هدأ تدفق الذكريات بدأ يضحك.
“ما هذه النكتة السخيفة؟”.
“الخطيئة الأصلية خاصتنا”.
“الخطيئة الأصلية؟ بالتأكيد بالطبع كل هذا الهراء حدث بسببكم يا رفاق”.
فرك إسحاق سيجارته على منخر التنين وأطفئها ثم مد يده للحصول على سيجارة جديدة.
“وماذا في ذلك؟”.
“نتمنى فقط أن تعرف خطيئتنا الأصلية”.
“هراء لقد سئمتم من محاربة الجنة والجحيم وأردتم تفويض المهمة إلى عالم آخر… عندما فشل ذلك أدركتم ما هي الفوضى الكبيرة التي خلقتموها لذا أنتم يا رفاق (تكفرون) عنها بالإختباء في الخفاء من أي شخص آخر؟”.
صعد إسحاق إلى أنف التمثال ونظر مباشرة إلى بؤبؤ التنين.
سخر من التنين بإبتسامة.
“إسمح لي أن أسأل هذا : لماذا تخفون الأمر؟”.
“…”.
بقي التنين صامتا.
إبتسم إسحاق.
“نعم بالطبع إذا إكتشف هذا العالم أن أيام الكارثة بدأت بسببكم يا رفاق فلن يسمح للمركز بجمعهم مثل الأغنام المطيعة بل سيكونون مشغولين بخرق رؤوس بعضهم البعض… لا عجب أن الملكة فقدت عقلها”.
“نحن…”.
“أغلق فمك أنا لست في مزاج جيد”.
“…”.
“إذن كيف كان شعورك بينما تشاهد البشر يخوضون صراعًا لا معنى له ويلتهمون بعضهم البعض بجشع؟”.
“أدركنا خطأنا وأردنا التكفير عنه”.
“ولم التكفير ينطبق فقط على هذا العالم!”.
أخرج إسحاق سكينًا لطعن عين التنين لكنه توقف على بعد بضع ميليمترات متذمرا.
“اللعنة أحب سكب هذا الحبر – أم أنه ذهب؟ – من عينك هذه لكن هذا من شأنه أن يسبب كارثة في العالم وستعرف الملكة مكاني…”.
أطلق إسحاق تنهيدة عميقة.
أخذ نفخة عميقة من السيجارة ليبقى هادئا قبل أن يواصل الكلام.
“هل كنت تعلم؟ نحن البشر نحب أن نعوض خسائرنا لذا فإن ما يدفعنا إلى الجنون هو عندما يعتذر الجاني بصدق ولكن بدون وسيلة لتعويض الضحية عن الجريمة”.
“يمكنني إطلاق الكارثة إذا كانت هذه هي رغبتك”.
أعلن التنين.
ضحك إسحاق وقفز أسفل فتحة أنف التنين.
“نعم لهذا السبب فقدت الملكة عقلها أعلم أنك لا تقول ذلك فقط سوف تطلق الكارثة إلى العالم إذا أردت ذلك… أنت لا تفعل – لا أستطيع أن أفهم لماذا أتصرف بهذه الطريقة على الرغم من مدى جدية إعتذارك – أليس كذلك؟ هذا لأنك لست بشريا”.
بصق إسحاق على الأرض وإستدار ليغادر الكهف.
نادى التنين.
“هل ستوقف الملكة؟”.
“الإنسان يضع الخطة والسماء تقرر نجاحها إنه المثل المفضل لدي لا يمكنني التوقف الآن لذا فالأمر متروك للسماء لتقرير المنتصر، من الأفضل أن تشكر تلك السماء إذا كان الغازي الأول الذي وصل هو أنا وليس الملكة لطلبت منك آطلاق ختم الكارثة دون تردد”.
“لماذا لا تطلب الآن؟”.
تردد صدى صوت التنين في رأس إسحاق.
أجاب إسحاق دون أن ينظر إلى الوراء عائدا من حيث أتى.
“لقد حدث هذا قبل 300 عام في هذا العالم وإعترفت بأخطائك كما أنك لست من المتسكعين الذين يرفضون تقديم إعتذار لائق عن أفعالهم، قد أكون مجنونا لكنني لست متخلفا لأطالب بموت الجميع بسبب شيء كنت قد إعتذرت عنه بالفعل منذ فترة طويلة”.
—
“إذن كيف وجدتموني يا رفاق؟”.
سأل إسحاق بوجه راضٍ بعد إلتهام وعاء من الأرز وحساء الكيمتشي المصنوع من شرائح سميكة من لحم الخنزير – لا يزال لغزًا كاملاً من أين حصلت عليه الفتيات.
أجابت كونيت التي لطخ فمها باللون الأحمر من الحساء في خضم الأكل.
“القديم أحضر إليه زعماء كل عرق”.
أشعل إسحاق سيجارته وسأل.
“هل قال كل شيء؟”.
“نعم كل شيء”.
“كل شيء… لهذا السبب لديك تلك التعبيرات المعقدة من وقت لآخر”.
حتى لو أن كل شيء عمل داخلي فقد قتل إسحاق والد ريفيليا من الصعب نسيان ضغينة ناتجة عن شيء كهذا.
عندما إنتقلت عينا إسحاق إلى ريفيليا ردت بإبتسامة مريرة.
“لقد وجدت إرادة والدي وسمعت من القديم أيضًا…”.
“أعلم أنه من الغريب أن يأتي مني لكن الوقت سيهتم بكل شيء”.
حدقت ريفيليا في إسحاق.
لم يظهر الكثير من العزاء على الإطلاق.
أدارت رأسها فجأة.
“سينباي نيم ماذا أفعل؟”.
“ستمرضين إذا أجبرتِ نفسك على تناول الطعام الحار”.
تنهد إسحاق وهو يراقب ريشة تبتلع الحساء والأرز على الرغم من صراخ عينيها بشفتين متورمتين من التوابل.
أن تعتقد أن الجان لا يمكنه حتى التعامل مع توابل الحساء قد يكون الرامين الحار أو أي شيء أكثر سخونة كافياً لإغتيال الجان.
في هذه الأثناء إلتهمت كونيت بشراسة نصيبها من الحساء كما لو أنها تخشى أن تفقده إذا لم تفعل.
أخذ إسحاق نفخة من سيجارته.
“أتركوا البعض لي لاحقًا”.
الثلاثة لم يبقوا بجانب إسحاق في جميع الأوقات.
كانوا جميعًا مشغولين للغاية ولم يكن بإمكانهم زيارته إلا من حين لآخر.
قضت ريفيليا أيامها في العمل بلا كلل كدوقة بندلتون.
لم يكن هناك إختلاف بين كونيت وريشة حيث مكثوا بضعة أيام فقط قبل مغادرتهم.
قضى إسحاق أيامه بمفرده وسواء ذلك من أجل الحماية أو المراقبة فقد تبادل غير البشر الأماكن مع السيد غونزاليس كموردين للطعام وأوراق التشويو.
يمكن أن يفهم إسحاق أنهم يحاولون جعل حياته أسهل.
مرت العديد من فصول الشتاء وقضى إسحاق أيامه على مهل.
ذات يوم إجتمع الثلاثة معًا في نفس الوقت – وهي مناسبة نادرة.
جلسوا جميعًا وإستمتعوا بوجباتهم وأكواب الشاي حتى أعلنت ريفيليا.
“أنا بحاجة إلى طفل”.
لم تتسبب القنبلة المفاجئة لإعلان ريفيليا في تجميد إسحاق فحسب بل صدمت ريشة وكونيت في مسارهما أيضا.
نظر الثلاثة إلى ريفيليا في حالة ذهول.
لم يكن على وجهها حتى أي تلميح من الإحراج.
ظل تعبيرها جادًا تمامًا عندما حدقت في إسحاق.
“…”.
أخرج إسحاق سيجارة بسرعة لإخفاء ذعره.
عادت كونيت وريشة أخيرًا إلى رشدهما وصرختا – بصوت عالٍ أيضًا.
“ريفيليا سأضربك!”.
“رائع! أنت تعبرين الضوء الأحمر! لا – هل تتجاوزين السرعة المحددة؟ على أي حال هذا غير قانوني!”.
زفر إسحاق مخاطبا ريفيليا مباشرة – التي لم ترفرف عيناها – بينما ركل الإثنان الآخران وصرخوا.
“حسنًا… لا أعرف ما إذا كنت على علم بهذا ولكن هناك شيء يسمى الحمض النووي قد أكون في هذا الجسم الآن ولكن من الناحية البيولوجية…”.
“أنا أعرف”.
“إذن هل أنت حقًا بحاجة إلى إنجاب طفل معي؟ يمكنك فقط تبني يتيم”.
“لا… أنا بحاجة لطفلك”.
—
ترجمة : Ozy.
التعليقات على الفصل "208"
مناقشة الرواية
ربما يعجبك ايضاً
